انتشار الخداع الإعلامي: حين تتفوق المعلومات المضللة على الواقع
في زمننا الحالي، لم يعد مفهوم “الأخبار الكاذبة” مقتصراً على مجرد معلومات غير صحيحة تظهر عرضاً في وسائل الإعلام، بل أصبحت هذه الظاهرة جزءًا من لعبة سياسية متكاملة تُستغل لتوجيه الرأي العام وتأجيج الصراعات. ومع التطور السريع لتقنيات الاتصال ووسائط التواصل الاجتماعي، أصبح تداول المعلومات، الصحيحة منها والمغلوطة، أكثر سهولة وسرعة من أي وقت مضى.
برز مصطلح “الأخبار الزائفة” إلى الواجهة بشكل كبير منذ السنوات الأخيرة، خاصة مع تنامي الخطاب السياسي المثير للجدل الذي شهده العالم مع صعود دونالد ترامب وتأثير ما يُسمى بـ”الحقائق البديلة” في الساحة الأمريكية. هذا التحول لم يكن مقتصراً على الولايات المتحدة، بل وجد صداه في مختلف أنحاء العالم، حيث بات الاتهام بترويج الأكاذيب وسيلة شائعة لتشويه الخصوم السياسيين أو إسقاط الاحتجاجات الشعبية.
تعمل الأخبار الزائفة عادة على إثارة مشاعر الجمهور والتلاعب بقناعاته من أجل تحقيق مصالح محددة، فتنتشر العناوين المثيرة بسرعة البرق بينما تتراجع الحقيقة في الظل، ويجد كثيرون أنفسهم أمام سيل من المعلومات المتضاربة التي يصعب التحقق منها. وقد ساهمت حسابات ومواقع وهمية ومنصات رقمية متعددة في خلق بيئة خصبة للأكاذيب، مما قوض ثقة الجمهور في الإعلام التقليدي وحتى في المصادر الرسمية.
ومع تعقد المشهد الإعلامي، أصبحت صعوبة التمييز بين الحقيقة والزيف مشكلة عالمية، حيث تستهدف الأخبار الكاذبة التضليل، وتستخدم غالباً لإعادة تشكيل الواقع الاجتماعي والسياسي. فلا يكاد يمر حدث عالمي دون أن تصاحبه سلسلة من الشائعات والمعلومات غير المؤكدة، الأمر الذي يفرض تحديات كبرى على المتلقين والإعلاميين على حد سواء.
أثبتت الدراسات أن المعلومات غير الصحيحة قد تحقق انتشاراً أوسع وأسرع من الحقائق، خاصة إذا ارتبطت بمشاعر الخوف أو الغضب أو الغموض، ما يزيد من خطر تشكل قناعات جماعية خاطئة يصعب تصحيحها لاحقاً. من هنا، فإن مواجهة هذه الظاهرة تستلزم وعياً نقدياً وجهوداً حثيثة في التحقق من صحة الأخبار قبل تداولها، إضافة إلى مسؤولية إعلامية أكبر للحد من آثار التضليل وإعادة الاعتبار لحقيقة الأحداث.
في النهاية، رغم تفوق الأكاذيب أحياناً في إقناع الجمهور، تظل الحقيقة بحاجة إلى من يدافع عنها ويتحقق منها في مواجهة عالم تزداد فيه الضبابية المعلوماتية يومًا بعد يوم.