شبكات التواصل.. كيف تُعمّق السطحية وتعيد إنتاج الجهل؟
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في الدور الذي تلعبه شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل وعي الأفراد والجماعات، حيث باتت هذه المنصات ليست مجرد وسائل لنقل المعرفة، بل تحوّلت تدريجياً إلى ساحات لإعادة إنتاج أنماط من الجهل والتبريرات السطحية. وفي خضم هذا التحول، يبرز كتاب “رذائل المعرفة” للفيلسوف باسكال إنجل كمرجع فكري مهم لفهم هذه الظواهر وما يترتب عليها من انعكاسات أخلاقية وفكرية.
يُركّز إنجل في كتابه على أن المعرفة ليست حيادية أو معزولة عن الأخلاق، بل يرى أن طريقة اكتساب المعتقدات وتمريرها مسؤولية أخلاقية بحد ذاتها. إذ أن تداول المعلومات أو الآراء عبر شبكات التواصل ليس عملية تلقائية أو مجرد استجابة لغريزة التعبير عن الذات، بل فعلٌ يحمل في طياته موقفًا أخلاقيًا يؤثر في المجتمع ككل. في كثير من الأحيان، تتحول المواقف الشخصية إلى حقائق افتراضية، وتغرق المنصات الافتراضية في أعمق مستويات التبسيط والسطحية.
هذه المنصات، بدل أن تدعم الحوار البنّاء والنقاش الحر، تغذي آليات التضليل والشائعة وتسمح للفرد بتحقيق سلطة زائفة من خلال فرض الرأي بدلاً من الإصغاء أو التفكير النقدي. هنا يشير إنجل إلى مفارقة معرفية: فكلما زاد تدفق المعلومات وزادت فرص التعبير، كلما أصبح من السهل على التضليل والانغلاق الذهني أن ينتشر، وظهر منحى تبريري يجعل من كل رأي سطحيًا مُسوغًا وكأنه حقيقة مطلقة.
ولتوضيح ذلك، يُبرز الكتاب كيف أن الذكاء قد يُستغل أحيانًا كأداة للتمويه بدلًا من الفهم، وكيف يُصبح السجال على المنصات الاجتماعية وسيلة للدفاع عن الانتماءات أو المصالح، لا للبحث عن الحقيقة. وبذلك تزداد صعوبة التمييز بين ما هو معرفة حقيقية وما هو مجرد رأي عابر أو دعاية.
في المحصلة، يثير كتاب “رذائل المعرفة” أسئلة جوهرية حول القيم الفكرية والأخلاقية التي نحتاجها اليوم في زمن يغلب عليه التشتت الرقمي والاستهلاك السريع للمعلومات. هل نحن أمام فرصة لتعزيز الوعي أم مجرد فضاء جديد لإعادة إنتاج الأوهام؟ الإجابة تتوقف على استعداد كل فرد وجماعة لتحمل مسؤولية الاعتقاد، والعمل نحو حوار أكثر عمقًا واحترامًا للمعرفة وأخلاقياتها.