جاذبية الشماتة على مواقع التواصل: لماذا نحتفي بمعاناة الآخرين؟

مع تطور منصات التواصل الاجتماعي، ظهرت ظواهر جديدة تعكس جزءًا من سلوكياتنا النفسية والاجتماعية، من أبرزها موجة الشماتة أو الاحتفاء بفشل ومعاناة الآخرين. في كل يوم تقريبًا، نجد منشورات وتعليقات تسخر من تجربة أحدهم المؤلمة أو تمنحه وصمة الفشل علنًا، يتشجع بعض المتابعين على إبداء السخرية أو حتى الفرح الصريح بما يجري للآخرين. فما سر هذه الظاهرة ولماذا يجد الكثيرون متعة فيها؟

الشعور بالتفوق المؤقت
يشير مختصون نفسيون إلى أن الشماتة تنبع غالبًا من الحاجة إلى الشعور بالتفوق، ولو بشكل مؤقت ومتوهم. حين يرى الفرد فشل شخص آخر، وخاصة إذا كان هذا الشخص ناجحًا أو مشهورًا، يتولد لديه شعور داخلي بالراحة أو النصر، لأنه يقيس نفسه بالآخر ويشعر لحظيًا أنه نجح في حين أن غيره أخفق. هذا النوع من المشاعر يعوض مشاعر النقص أو الإحباط ويمنح النفس لحظة «تعويضية»، لكنها غالبًا ما تكون هشة وغير صحية.

دوافع اجتماعية ونفسية
لا تقتصر الشماتة على الجانب النفسي فقط، بل تغذيها عوامل اجتماعية أيضًا. وسائل التواصل خلقت منافسة خفية بين المستخدمين، حيث تُقارن الإنجازات وتُعرض النجاحات الشخصية باستمرار، ما يجعل البعض يبحث تلقائيًا عن إخفاقات الآخرين ليشعر بالتوازن النفسي. كما أن الانخراط في موجة تعليقات الشماتة يمنح الفرد شعورًا بالانتماء لمجموعة أو رأي عام مشترك، ويخلصه من الإحساس بالعزلة أو التميز السلبي.

دور الإعلام الرقمي
من الجدير بالذكر أن الإعلام الرقمي ومنصات التواصل تساهم أحيانًا في تضخيم هذه الظاهرة، بنقل أخبار السقوط والإخفاق وتوفير مساحة للتفاعل والتعليق العلني. وقد يؤدي هذا إلى نتائج سلبية على الصحة النفسية للأفراد المعرضين للشماتة، ويعمق شعورهم بالقلق والإحباط.

كيفية المواجهة
لمعالجة الظاهرة، ينصح الخبراء بتطوير الوعي الذاتي وإدراك مسببات السعادة والرضا بمعزل عن مقارنة الذات بالآخرين. كما يرون أهمية تعزيز قيم التعاطف والاحترام المتبادل على المنصات الرقمية، وعدم الانجرار وراء الترند الذي سرعان ما يتحول إلى موجة سلبية تضر الجميع. وتبقى الحاجة قائمة للابتعاد عن الحكم على الآخرين وتفضيل التضامن على حساب السخرية والشماتة.

في النهاية، يمكن القول إن فهم جذور الشماتة يتطلب نظرة أكثر عمقًا للذات الإنسانية، ووعيًا حقيقيًا بتأثيرات وسائل التواصل على عواطفنا وسلوكياتنا اليومية.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *