تدهور جودة التعليم في تونس: المناطق النائية ضحية نقص التمويل وسياسات التهميش
كشفت بيانات وتقارير حديثة صادرة عن المرصد التونسي للاقتصاد عن أزمة حقيقية يعيشها قطاع التعليم العمومي في تونس، وسط تراجع ملحوظ في جودة المنظومة التربوية، خاصة في المناطق النائية والمهمشة من البلاد. ففي الوقت الذي ينص فيه الدستور على ضمان الحق في التعليم وإلزاميته حتى سن السادسة عشرة، تشهد المؤسسات التربوية العمومية تحديات متفاقمة تعكسها مؤشرات ميدانية عديدة تؤكد عمق الأزمة.
يشير تقرير المرصد إلى أن الدولة التونسية قلّصت بشكل كبير من نسبة الميزانية المخصّصة لقطاع التعليم على مدى السنوات الأخيرة، حيث لم تتجاوز الميزانية المخصصة لهذا القطاع الحيوي 10.2% من إجمالي الموازنة لسنة 2024 مقابل قرابة 16% سنة 2010. أما ميزانية الاستثمار في التعليم، فقد كانت في حدود 5.5% فقط بين 2016 و 2023، وهو ما انعكس سلباً على صيانة وتجهيز المدارس ومعالجة النقائص على مستوى البنية التحتية وجودة التعليم.
ما يزيد من خطورة الوضع، هو تركز النقص في الموارد والخدمات في المناطق المهمشة أساساً، إذ يفتقر العديد من المدارس الريفية إلى أبسط المرافق الأساسية مثل الوحدات الصحية والتجهيزات الضرورية، ويواجه التلاميذ هناك صعوبات في التنقل وظروفاً تعليمية صعبة، ما يرسخ الفوارق الجهوية ويضعف تكافؤ الفرص.
هذا التراجع أثّر أيضاً على ثقة العائلات في التعليم العمومي، مما دفع عددًا متزايدًا من الأسر إلى البحث عن بدائل في التعليم الخاص رغم التكاليف المرتفعة. فقد تضاعف عدد التلاميذ المُسجّلين في المدارس الخاصة خلال السنوات الأخيرة، بحسب ما أورده المرصد التونسي للاقتصاد، دليلاً إضافياً على هجرة تدريجية نحو التعليم الخصوصي بحثاً عن جودة أفضل.
ورغم تعهدات تونس الدولية بخصوص ضمان التعليم للجميع، إلا أن التزام السياسات العمومية الفعلي بهذه المبادئ يظل محل تساؤل، في ظل تدني نسب الاستثمار وتراجع الأولوية لهذا القطاع في السياسات التنموية الوطنية.
إن إنقاذ المدرسة العمومية وضمان جودة التعليم في جميع الجهات يتطلب إصلاحات عميقة وإجراءات فعلية تضع مصلحة التلميذ في صدارة الأولويات، وتعالج مظاهر التهميش، وتعيد الاعتبار لمنظومتنا التربوية الوطنية كرافعة حقيقية للتنمية والعدالة الاجتماعية.