استثمارات الصين في تونس: حضور اقتصادي قوي وتأثير محدود
لطالما اعتُبرت الصين واحدة من أكبر القوى الاقتصادية على مستوى العالم، بفضل نفوذها الواسع في الأسواق العالمية وقدرتها على ضخ الاستثمارات في شتى بقاع المعمورة. غير أن المشهد في تونس يبدو مختلفًا؛ إذ بالرغم من الأهمية الجغرافية والاستراتيجية للعلاقات التونسية الصينية، ما تزال الاستثمارات الصينية في البلاد دون مستوى الطموحات والمقارنة مع حجم الإمكانيات الصينية الهائلة.
تقرير حديث صادر عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي كشف أن عدد المؤسسات الصينية المستقرة في تونس لا يتجاوز 22 مؤسسة، وهو عدد متواضع يعكس تواضع الحضور الصيني في الساحة الاقتصادية التونسية. أما حجم رؤوس الأموال المستثمرة، فقد تجاوز بالكاد 31 مليون دينار تونسي، وهو رقم يبدو محدودًا للغاية إذا ما قورن باستثمارات الصين في دول أخرى أو حتى بحساسية الملف الاستثماري في تونس نفسها.
ويرى خبراء في الاقتصاد أن هذا الضعف يعود إلى عدة أسباب، منها تركيز الصين على استثمارات قائمة على البنى التحتية الكبرى في أفريقيا عمومًا وبعض الدول المجاورة لتونس بشكل خاص، حيث تميل بكين إلى انتقاء الأسواق ذات العائد الكبير والقدرة الاستيعابية الأوسع. في المقابل، تواجه تونس منافسة شرسة من دول أخرى تقدم عروضًا أكثر جاذبية للمستثمر الصيني، سواء على المستوى التشريعي أو الحوافز الجبائية.
ومع ذلك، تواصل تونس العمل على تحسين مناخ الاستثمار الداخلي لجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية بشكل عام والصينية على وجه الخصوص. فقد تم تنفيذ عدة إصلاحات، إضافة إلى جهود لتعزيز قنوات التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجالات واعدة مثل التصنيع والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.
تبقى مسألة تعزيز الاستثمارات الصينية في تونس رهن تطور العلاقات الثنائية، ومدى قدرة تونس على تسويق الفرص المتاحة وجعل بيئتها أكثر تنافسية أمام المستثمرين. في المقابل، تشير مؤشرات عدة إلى اهتمام صيني متزايد بالسوق التونسية، مما قد يؤشر إلى مستقبل واعد إذا ما تواصلت الإصلاحات وتحسنت الظروف الاقتصادية في البلاد.
بالتالي، فإن حضور الصين الاقتصادي في تونس كبير على المستوى الإعلامي والدبلوماسي، لكنه ما يزال بحاجة إلى ترجمة حقيقية في أرقام الاستثمار والمشاريع التي يمكن أن تدعم الاقتصاد التونسي وتوفر فرص عمل جديدة.
