التونسيون بين أرقام التضخم والواقع المعيشي: لماذا لا تتحسن القدرة الشرائية رغم تراجع المعدلات؟
شهدت تونس مؤخرًا انخفاضًا طفيفًا في نسبة التضخم، حيث أفاد الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن معدل التضخم لشهر جويلية بلغ 5.3% مقابل 5.4% في جوان، بحسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء. هذا التراجع الطفيف يبدو إيجابيًا من الناحية الإحصائية، إلا أن شعور المواطنين التونسيين لا يعكسه؛ فلا تزال معاناتهم مع غلاء الأسعار مستمرة، ويظل تحسين القدرة الشرائية بعيد المنال بالنسبة للكثيرين.
يشير رضا الشكندالي في عدة مداخلات إعلامية إلى أن تراجع معدل التضخم، رغم أهميته كإشارة اقتصادية، ليس له أثر محسوس فعلي على حياة التونسيين العاديين. ويُرجع ذلك إلى عدة أسباب، أهمها أن المؤشرات الرقمية لا تعبّر دائمًا عن التفاصيل الدقيقة في سلة استهلاك المواطن، كما أن أسعار بعض المواد الأساسية ما تزال مرتفعة نسبيًا مقارنة بالدخل الفردي، وبالتالي يشعر الناس أن التضخم ما يزال يؤثر سلبًا على مستوى معيشتهم.
كما يُرجع الشكندالي جزءًا من المشكلة إلى السياسة النقدية وإفراط البنك المركزي في إقراض الدولة في السنوات الأخيرة، ما زاد من الضغوط الاقتصادية. وبينما تعكس الأرقام الرسمية معدل التضخم السنوي أو الشهري بشكل عام، فإن أسعار بعض المنتجات الحيوية مثل الغذاء والطاقة تشهد ارتفاعًا أكبر من المعدل المعلن، وهو ما يثقل كاهل الفئات المتوسطة والفقيرة.
ويرى الخبراء أن التفاوت بين الأرقام الرسمية والشعور الشعبي سببه أن انفراج الأوضاع الاقتصادية يحتاج إلى أكثر من مجرد تحسّن طفيف في مؤشر التضخم؛ فالقدرة الشرائية الحقيقية تتطلب نمواً اقتصادياً واضحاً وتحسنًا في الأجور ومراقبة حقيقية لأسعار السلع الأساسية، إضافة إلى إصلاحات عميقة في السوق لضمان استقرار الأسعار.
في ظل هذه المعطيات، يبقى المواطن التونسي مترقبًا أي تغيير يفضي فعلاً إلى التخفيف من عبء المعيشة اليومي، ورغم الأرقام الإيجابية فإن الطريق لتحقيق الازدهار الاقتصادي وتحسن ظروف الحياة ما يزال طويلاً ويتطلب جهودًا حثيثة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.