السن القانونية لمحاكمة الأطفال في تونس: الموقف القانوني والجدل الدائر
أثارت مقترحات تشريعية جديدة في تونس نقاشاً واسعاً حول مسألة خفض سن عدم المؤاخذة الجزائية للأطفال إلى عشر سنوات، وهو ما واجهته منظمات حقوقية وعدد من المختصين القانونيين بانتقادات حادة. وقد أكدت الأستاذة نادية الشواشي، المحامية المتخصصة في القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، أن هذه المبادرة لا تتماشى مع المعايير العالمية ولا تعكس روح الإصلاح العدلي المعتمد حاليًا في عدة دول.
تشير الشواشي إلى أن خفض السن القانونية لمسؤولية الطفل الجزائية يُعد تراجعًا خطيرًا يهدد الأسس العلمية والتربوية المعتمدة دوليًا، والتي تؤكد على أن الأطفال في هذه المرحلة العمرية لم يطوروا بعد القدرات النفسية والمعرفية الكافية لتحمل المسؤولية الكاملة عن تصرفاتهم. وأضافت أن تبني هذا الاتجاه قد يؤدي إلى محاكمة أطفال صغار في سن الخامسة أو السابعة، الأمر الذي يتعارض مع الاتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها تونس.
من الناحية القانونية، ينص القانون التونسي الحالي على سن معينة لعدم المؤاخذة الجزائية، مع الحرص على عدم تحميل الأطفال دون تلك السن تبعات جنائية، بل التركيز على إجراءات توجيهية وتربوية تضمن حماية الطفل ومصلحته الفضلى. وترى الشواشي أن تخفيض السن سيخلق تحديات كبيرة في المحاكم، ويعرض الأطفال لضغوط نفسية واجتماعية تؤثر على مستقبلهم بدرجة خطيرة.
وعلى المستوى الدولي، تشدد الاتفاقيات والتوصيات الحقوقية على ضرورة وضع حد أدنى لسن المسؤولية الجنائية وعدم إخضاع الأطفال لأي عقوبات مبكرة. حيث تفضل معظم الدول حصر المحاكمة الجنائية بفئة عمرية أكبر، مع إبقاء الأطفال الأصغر سنًا تحت رعاية أجهزة حماية الطفولة وبرامج إعادة التأهيل.
في الختام، يعكس الجدل الجاري في تونس حول هذا الملف حساسية موضوع حقوق الطفل وأهمية الالتزام بالمعايير الدولية، فيما تتواصل دعوات المنظمات الحقوقية والتربويين إلى ضرورة تبني سياسات عقابية تضع مصلحة الطفل في المقام الأول وتحميه من أي إجراءات قد تؤثر سلبًا على نموه وتطوره.
