العثور على منشأة رومانية هائلة لعصر الزيتون في القصرين يعيد رسم خريطة التاريخ
شهدت ولاية القصرين التونسية حدثاً أثرياً غير مسبوق بعدما أعلنت بعثة أثرية دولية عن اكتشاف منشأة رومانية واسعة متخصصة في إنتاج زيت الزيتون، تقع عند سفح جبل السمّامة. ويأتي هذا الاكتشاف ليعكس أهمية البلاد التونسية كمركز حيوي لإمداد الإمبراطورية الرومانية بمنتجات استراتيجية، خاصة زيت الزيتون، الذي لعب دوراً محورياً في حياة الرومان اليومية، سواء في التغذية أو الإنارة أو أغراض التجميل والعلاج.
وحسب ما كشفت عنه البعثة الأثرية، فإن هذا المجمع يُعد ثاني أكبر منشأة رومانية متخصصة في عصر الزيتون أُكتشفت حتى الآن في المنطقة، ما يعزز مكانة تونس التاريخية كمورد رئيسي لهذا المنتج الحيوي في العالم القديم. فقد كانت ولاية القصرين تضم، منذ العصور الرومانية، منشآت ضخمة وسواعد عاملة ساهمت في تلبية احتياجات روما وضواحيها من الزيت ذو الجودة الرفيعة، والذي لم يكن مجرد عنصر غذائي بل تجاوز ذلك ليؤثر في مختلف جوانب الحياة الرومانية.
وبيّن الخبراء أن المجمع الأثري يتكون من معاصر حجرية ضخمة وأحواض تخزين عميقة، بالإضافة إلى وحدات متكاملة تُظهر التقدم الهندسي الذي بلغه الرومان في تصميم مواقع الإنتاج الزراعي، وهو ما يشير إلى أن زيت الزيتون القادم من تونس كان يتم تصديره عبر قنوات منظمة ومدعّمة ببنى تحتية متقنة.
ويمثل هذا الاكتشاف نقطة تحول في فهم دور ولاية القصرين والمنطقة المغاربية عامة في الاقتصاد الروماني القديم، إذ يكشف عن شبكة إنتاج وتوزيع كانت تلعب فيها تونس دوراً محورياً كمصدر رئيسي للموارد الزراعية، وخاصة زيت الزيتون الذي طالما اعتُبر من رموز الثراء والازدهار في المجتمع الروماني.
ويأمل الباحثون أن تفتح هذه النتائج الباب أمام مزيد من الأبحاث حول تاريخ الزراعة والصناعات التحويلية في شمال أفريقيا وأن تسلط الضوء على الجوانب الحضارية والاجتماعية التي شكّلت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ المنطقة، ما يثري الذاكرة الجماعية ويوفر دفعة قوية للهوية الثقافية المحلية وتطوير قطاع السياحة التراثية.
