المبادرات الشعبية في تونس: بين تحديات النظافة وإحياء روح المواطنة

تشهد تونس كل صيف حراكاً لافتاً عبر حملات التنظيف التي تطلقها جمعيات مدنية وأفراد على الشواطئ وفي الحدائق العامة والمناطق الحضرية، خاصة مع زيادة الإقبال على الأماكن العامة وارتفاع درجات الحرارة. ورغم أن هذه الجهود المجتمعية تحمل بعداً إيجابياً وتعبّر عن وعي بيئي متنامٍ، إلا أنها كذلك تضع تحت المجهر الأزمات الهيكلية التي تعاني منها منظومات النظافة في البلاد.

تعكس هذه الحملات الشعبية رغبة شرائح عديدة من التونسيين في مواجهة التدهور الملحوظ للفضاء العام وانتشار النفايات. وتجد المبادرات مساندة وسائل التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً محورياً في الدعوة للمشاركة والتحفيز، حيث نرى صور الجموع المتطوعة تنتشر، وتبرز معها مظاهر التكاتف المجتمعي.

مع ذلك، يرى بعض الخبراء أن اعتماد الدولة أو المجتمع بشكل موسمي على هذه المبادرات، قد يُعد مؤشراً على وجود خلل في أداء المؤسسات البلدية والمرافق المعنية، وعدم كفاية الإمكانات أو ضعف الرقابة على نشاطات النظافة. ويعزو مختصون انتشار ظاهرة الإهمال البيئي إلى عوامل اقتصادية واجتماعية تراكمية، كالبطالة ونقص الموارد المالية وحتى غياب ثقافة النظافة اليومية في بعض الأوساط.

وتستعرض جمعيات بيئية خططاً لتأصيل مفاهيم المحافظة على الفضاء العام، مركّزة على أهمية إدماج هذه القيم في النظام التعليمي وتطوير حملات توعوية دائمة ترتكز على المسؤولية الفردية والمجتمعية. إذ لا تقتصر أهمية النظافة على المنظر الجمالي، بل تتجاوزها إلى انعكاسات صحية واقتصادية، سواء تعلق الأمر بنظافة الشواطئ أو الحدائق أو الأماكن السياحية التي تمثل مورد رزق أساسياً للعديد من العائلات.

وفي الوقت الذي تمثل فيه المبادرات جماعية فرصة لإحياء روح المواطنة والمسؤولية لدى التونسيين، يطالب ناشطون بيئيون بتكثيف الجهود الرسمية لتعزيز منظومة النظافة وتوفير إمكانيات لوجستية أفضل للبلديات وإرساء تشريعات أشد خصوصاً في ما يخص رمي النفايات وعدم احترام الفضاء المشترك.

تظل النظافة قضية مطروحة للنقاش العام في تونس، تتجاذبها الرؤى بين المسؤولية الفردية ودور الدولة، إلا أن الثابت هو أن معالجة إشكالية تدهور الفضاء العام تتطلب تضافر جهود كل الأطراف من أجل بيئة صحية تليق بجميع المواطنين.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *