النكتة السياسية: متنفس الشعوب في وجه القيود والرقابة
لطالما احتلت النكتة السياسية مكانة فريدة في المجتمعات العربية، خاصة في ظل الظروف الصعبة وأوقات الشدة السياسية والاقتصادية. في التسعينات، ومع تصاعد حضور الجماعات الإسلامية في مصر، لم تكن الحياة السياسية هادئة أو عادية، بل صارت كأنها مسرح كبير تسير فيه الأحداث بوتيرة متسارعة ومتغيرة.
كان الإعلام في تلك الفترة، وعلى رأسه بعض الصحف الشهيرة، مثل مجلة روز اليوسف، يقوم بدور حساس في مراقبة الأوضاع وملاحقة تفاصيل المشهد السياسي. وهنا برز اسم الصحفي المعروف عادل حمودة، الذي تولى رئاسة تحرير المجلة في تلك الحقبة، واشتهر بجرأته في طرح الأسئلة وتناول المواضيع المحرجة دون تردّد.
في تلك الأجواء المشحونة، ظهرت النكتة السياسية كأداة بيد البسطاء، يتناقلونها في المقاهي والشوارع والبيوت، لتعبر عما يجول في خواطرهم وتنقل رسائل نقدية للسلطة دون أن تعرّضهم للعقاب المباشر. كانت النكتة تُحاك بخيوط الذكاء والفكاهة لتُظهر مدى وعي الناس بأحداث الساعة، وفي الوقت نفسه، تساعدهم على تخفيف وطأة الخوف وتجاوز القيود التي تفرضها الرقابة الحكومية.
يتذكر البعض كيف أن زيارة الصحفيين لمكتب عادل حمودة في ذلك الزمان كانت مصحوبة دائماً بحكايات وقصص، بعضها طريف وبعضها لاذع. كان يسمع من زواره عشرات النكت السياسية التي تجسّد قسوة الواقع بحس فكاهي. فالنكتة هنا لم تكن فقط وسيلة للضحك، بل شكلت أحيانًا وثائق تحمل نبض الشارع، وقدّرها بعض الصحفيين بما يفوق أهمية بعض التقارير الإخبارية أو التعليقات الرسمية.
انتشرت النكتة السياسية مع تطور وسائل التواصل، قبل ظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، إذ كانت تنتقل بسرعة البرق من شخص لآخر، وتصل حتى الطبقات المثقفة وصانعي القرار، وبهذا صارت سلاح من لا يملك سلاحًا، وأداة احتجاج خفية يعجز القمع عن إسكاتها.
اليوم، ما زالت النكتة السياسية حاضرة في المشهد العربي، ولكنها تأخذ أشكالاً جديدة عبر وسائل التواصل الرقمية. ومع دخول الإعلام إلى قلب كل بيت، تظل النكتة تعبيرًا صادقًا عن معاناة الناس وأملهم في التغيير، وتذكيرًا بأن الضحك قد يكون أقوى من الخوف أحيانًا.
