انخفاض أعداد الطلاب الأفارقة في تونس وتزايد حضور الجامعات التركية
شهدت تونس في السنوات الأخيرة تراجعًا ملموسًا في أعداد الطلاب القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، بعدما كانت لفترة طويلة إحدى الوجهات الرئيسية في المنطقة لطلبة التعليم العالي من هذه الدول. ويعود هذا التراجع جزئيًا إلى التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها تونس، بالإضافة إلى تغير في استراتيجيات استقطاب الطلبة الأجانب وتزايد المنافسة الإقليمية.
لم يكن العامل الأكاديمي وحده هو المؤثر في هذا التغيّر، إذ لطالما استفادت تونس من إرثها الجامعي العريق وعلاقاتها الثقافية واللغوية مع الدول الفرنكوفونية الأفريقية. غير أن عدة تقارير أكدت أن مكانة تونس بدأت تتقلص، وأن هناك توجهًا متزايدًا للطلبة الأفارقة نحو وجهات جديدة توفر تخصصات أكثر تنوعًا وفرصًا أكاديمية واقتصادية أوسع، سواء على مستوى التكوين العلمي أو من حيث الدعم والاندماج.
هذا التراجع ترافق مع تحوّل في سوق التعليم العالي في البلاد، حيث أصبحت تونس وجهة مفتوحة للجامعات الأجنبية الباحثة عن موطئ قدم في شمال إفريقيا. ومن بين أبرز هذه الدول، تبرز تركيا التي عززت حضورها بشكل لافت في معرض تعليمي نُظّم مؤخرًا في تونس العاصمة، واستعرضت خلاله جامعاتها المعترف بها رسميًا والتي تقدم برامج متنوعة تلبي تطلعات الطلبة التونسيين والأفارقة على حد سواء.
وتسعى الجامعات التركية من خلال الحملات الترويجية والمعارض الأكاديمية المباشرة إلى جذب الطلاب عبر البرامج الدراسية المزدوجة، والشراكات مع الجامعات المحلية، وتوفير منح دراسية تنافسية. ويأتي هذا الحضور التركي ضمن توجه أوسع نحو تدويل التعليم العالي واستقطاب الطلبة من تونس والدول المجاورة، خاصة في ظل الاهتمام المتصاعد بالتخصصات التقنية والطبية وإمكانيات الانتقال إلى أوروبا وآسيا.
وتشير بعض الأرقام الصادرة عن متخصصين في التعليم العالي بتونس إلى أن الجامعات الخاصة قادرة على استيعاب عشرات الآلاف من الطلبة الأفارقة، إلا أن المنافسة الأجنبية المتزايدة، خاصة من تركيا وبلدان أوروبية، تقلل من قدرة الجامعات التونسية على الاستقطاب مقارنة بسنوات مضت.
يرى مراقبون أن مستقبل التعليم العالي التونسي مرتبط بالقدرة على تطوير البرامج وتنويعها، وتعزيز البيئة الجامعية الجاذبة للطلاب الأجانب مع التركيز على جودة الحياة والاندماج الاجتماعي، بعيدًا عن الاكتفاء بالإرث الأكاديمي وحده. ومن المرجح أن تتواصل المنافسة مع الجامعات التركية وغيرها من المؤسسات الأجنبية، مما يدفع تونس لإعادة النظر في استراتيجياتها لجذب الطلبة من إفريقيا جنوب الصحراء ودول الجوار.