تحليل جديد: أبرز مجالات تأثرت بسيطرة الاقتصاد الريعي في تونس
كشفت دراسة استراتيجية أعدها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، بعنوان “سياسة مكافحة اقتصاد الريع في تونس: نحو نمو مستدام وشامل” (أكتوبر 2025)، عن آثار عميقة للنموذج الاقتصادي الريعي على مسار التنمية والعدالة الاجتماعية في تونس. أُعدت هذه الدراسة بعناية من طرف الباحثة هالة بن حسين خلادي ووجهت مباشرة إلى رئاسة الجمهورية كمرجع لإصلاح السياسات الاقتصادية.
تناولت الدراسة تشخيصاً دقيقاً للبنية الريعية التي تسود الاقتصاد التونسي، مسلطة الضوء على قطاعات حيوية تضررت تحديداً من تمدد ظواهر الريع، حيث بينت أن هذه القطاعات أصبحت رهينة لمصالح ضيقة ولا تساهم فعلياً في تحقيق التنمية المستدامة المنشودة.
أشارت نتائج البحث إلى أن القطاع العقاري وقطاع التوزيع التجاري يحتلان صدارة القطاعات المتضررة من طريقة توزيع الامتيازات والرخص بصورة غير شفافة، ما سمح لبعض الجهات بالاحتكار وإقصاء المنافسين، وفاقم من تركيز الثروة داخل حلقة ضيقة من الفاعلين، في مقابل تراجع فرص الابتكار والاستثمار.
أما قطاع الطاقة والمواد الأساسية، فقد أظهر التحليل وقوعه أيضاً تحت سيطرة مصالح ربحية ضيقة حرمت الاقتصاد من تحقيق تنمية حقيقية. وأكدت الدراسة أن الاعتماد الكبير على الموارد الطبيعية بدل تشجيع الاستثمارات المنتجة عزز من هشاشة البنية الاقتصادية ووسع فجوة العدالة الاجتماعية.
ولم يقتصر الضرر على المجالات الاقتصادية فقط، فقد أثّر منطق الريع على كل من سوق العمل والحياة الاجتماعية، حيث أدت هيمنة العلاقات الشخصية والجهوية في توفير فرص العمل إلى تفاقم البطالة والفوارق الاجتماعية بين مختلف الطبقات والجهات.
وطرحت الدراسة جملة من التوصيات التي تهدف إلى معالجة الخلل، على رأسها: سنّ إصلاحات تضمن الشفافية في منح الامتيازات والرخص، وضبط سياسات تُشعل التنافس العادل، بالإضافة إلى دعم قطاعات الإنتاج الحقيقي والابتكار ومحاربة الفساد الإداري والمالي.
تؤكد نتائج هذه الدراسة أهمية إرساء نمط اقتصادي جديد في تونس يقوم على العدالة والشفافية، مع ضمان تكافؤ الفرص أمام جميع المواطنين سعياً لبناء أسس تنمية مستدامة وشاملة تخدم حاضر البلاد ومستقبلها.
