تحليل جديد لميزانية تونس 2026: جدل حول المستقبل الاقتصادي والإصلاحات المنتظرة

أثار مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 في تونس نقاشات واسعة بين النواب والخبراء الاقتصاديين، إذ تباينت مواقفهم بين داعم للمشروع بوصفه بداية لتعزيز استقلالية القرار المالي الوطني، وبين من يرى فيه استمراراً لغياب رؤية اقتصادية واضحة وإصلاحات هيكلية ضرورية. ويأتي هذا الجدل في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية كبرى تعيشها البلاد، ما جعل الميزانية الجديدة محط أنظار مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين.

في هذا السياق، أكدت النائبة فاطمة المسدي أن مشروع الميزانية الجديد تضمن بعض العناصر الإيجابية من حيث ترشيد النفقات وتوظيف الموارد بطريقة أكثر فعالية. لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى وجود العديد من التساؤلات التي تحتاج إلى توضيح، خاصة فيما يتعلق بغياب تفاصيل حول بعض الإصلاحات الأصلية المنتظرة وكيفية تحقيق النمو وخلق الثروة. وقالت المسدي: “رغم وجود نقاط قوة، إلا أن هناك تساؤلات مهمة حول الرؤية بعيدة المدى وتأثير الإجراءات المقترحة على الواقع المعيشي للمواطنين”.

من جهة أخرى، عبر عدد من الخبراء الاقتصاديين عن قلقهم من استمرار الاعتماد على حلول تقشفية دون تقديم خطط واضحة للاستثمار والتنمية. وأكدوا أن مشروع الميزانية يميل بشكل كبير إلى تغليب الطابع الاجتماعي، خاصة عبر المحافظة على منظومة الدعم وبقاء التوظيف العمومي في مستويات شبه مستقرة، لكنه لا يوضح بما فيه الكفاية فرص خلق مواطن الشغل الجديدة أو تحفيز القطاع الخاص.

ووفقاً لآراء بعض النواب، تبرز الحاجة المُلحة إلى رؤية اقتصادية شاملة ترافق مشروع الميزانية، مع التركيز على إصلاحات جدية في الجباية وتحسين مناخ الاستثمار. كما دعوا إلى ضرورة التوفيق بين ترشيد الإنفاق والانطلاق في ديناميكية اقتصادية توفر فرص العمل وتحسن القدرة الشرائية للمواطن. وصرح أحد النواب: “الميزانية لا تزال تفتقر إلى التوجهات الواضحة في ما يتعلق بالإصلاحات الجوهرية والابتكار في المقاربة الاقتصادية”.

في المقابل، رحب البعض الآخر بما اعتبروه مؤشرات إيجابية في مشروع الميزانية لعام 2026، خاصة ما يتعلق بمحاولة تقليص العجز المالي وتقوية موارد الدولة الذاتية. واعتبروا أن التحدي الأهم اليوم يكمن في تحسين فعالية الإنفاق العمومي ومتابعة تطبيق الإصلاحات المقترحة على أرض الواقع.

يبقى مشروع ميزانية 2026، في مجمله، وثيقة تعكس التوترات بين الحاجة إلى الاستجابة لمتطلبات اللحظة وبين الضرورة الملحة لإطلاق إصلاحات عميقة. وبين اختلاف الرؤى وتباين المواقف، تتطلع الأوساط الوطنية إلى مناقشة برلمانية ومجتمعية موسعة تفضي إلى تحسين المشروع ليكون في مستوى تطلعات التونسيين لتحقيق النمو والاستقرار.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *