تحليل جديد يكشف تراجع قطاع الفوسفات في تونس وخروجه من المنافسة العالمية
أثار الخبير في السياسات الاقتصادية والمستشار الجبائي حسام سعد مؤخرًا جدلًا واسعًا بين المختصين وصناع القرار الاقتصاديين بعد أن نشر رؤيته حول واقع ومستقبل قطاع الفوسفات في تونس، وذلك عبر تدوينة تداولها العديد من الفاعلين في المجال. سعد، الذي يتمتع بخبرة دولية واسعة في السياسات الاقتصادية والتخطيط الجبائي، قدم صورة قاتمة للقطاع الذي كان يومًا ما مفخرة للاقتصاد التونسي.
طيلة عقود، تصدرت تونس قائمة أبرز الدول المنتجة والمصدرة للفوسفات ومشتقاته على الصعيد الدولي، حيث شكّل الفوسفات مصدرًا هامًا للعائدات المالية وخلق فرص العمل، وساهم في دعم الميزان التجاري للبلاد. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تحولات جذرية في موقع تونس بهذا القطاع.
يشير سعد إلى أنه منذ سنة 2011، دخل قطاع الفوسفات التونسي في أزمة حادة تسببت في تراجع غير مسبوق في الإنتاج المحلي. ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة أبرزها الإضرابات الاجتماعية وتوقف الأنشطة في الحوض المنجمي، إلى جانب تحديات الهيكلة الإدارية وغياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة لاستثمار الموارد المتوفرة بكفاءة.
المستثمرون والخبراء لطالما أعربوا عن قلقهم من استمرار حالة الركود داخل شركة فسفاط قفصة، الشركة الوطنية المشرفة على الإنتاج، حيث فقدت خلال السنوات الماضية نخبة من كفاءاتها العليا لصالح شركات أجنبية في بلدان إفريقية أخرى مثل السنغال والمغرب. هذا النزيف البشري واصل تدهوره بالتوازي مع نزيف مالي وخسائر تجارية نتيجة تقلص الإنتاج الداخلي وتراجع التصدير.
بحسب تحليل سعد، أصبحت تونس اليوم شبه غائبة عن قائمة الموردين الكبار للفوسفات عالميًا، في الوقت الذي تعززت فيه مكانة منافسين جدد في السوق الدولية. ويبرز سعد أن هذا التراجع أفقد الاقتصاد الوطني موردًا إستراتيجيًا كان في السابق ركيزة من ركائزه الأساسية.
ويحذر سعد من أن استمرار هذا الوضع المتردي دون معالجة عاجلة وبرامج إصلاحية وقرارات جريئة وحازمة من الدولة قد يؤدي إلى خروج القطاع نهائيًا من دائرة التنافسية العالمية، الأمر الذي سينعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني وعلى الآلاف من الأسر التي تعتمد على مناجم الفوسفات ومشتقاته كمصدر رزق أساسي.
ويختم الخبير بدعوة صريحة إلى التوافق حول خطة إنقاذ وطنية لإعادة هيكلة هذا القطاع وإعادة الاعتبار له من حيث الحوكمة، وتحسين الإنتاجية، والحد من التوترات، والاستثمار في الكفاءات المحلية، لضمان عودة تونس إلى مكانتها الطبيعية على خريطة صناعة الفوسفات العالمية.
