تحوّل بيوت الضيافة في المدينة العتيقة بتونس: نهضة جديدة في قلب التاريخ

تشهد المدينة العتيقة في تونس العاصمة، والتي تأسست في نهاية القرن السابع الميلادي، حركة متجددة أعادت إليها الحياة بعد عقودٍ من النسيان. معالم المدينة المتميزة بأزقتها الضيقة وجدرانها البيضاء وأبوابها الزرقاء بدأت تستقطب أنظار الزوّار من جديد، بفضل موجة من التحولات التي شهدتها منازلها التقليدية القديمة.

خلال السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة تحويل البيوت العتيقة، المعروفة محليًا بـ”الرياض” و”بيوت الضيافة”، إلى أماكن إقامة تجمع بين الفخامة والدفء التونسي الأصيل. أصحاب هذه المنازل، سواء من العائلات التونسية أو المستثمرين الشباب، عمدوا إلى ترميمها مع المحافظة على التفاصيل الهندسية التقليدية، كالنقوش والزليج والأعمدة الرخامية، لتصبح اليوم وجهة مفضلة للسياح من داخل تونس وخارجها.

وقد ساهمت هذه المبادرات في إنعاش الحياة داخل المدينة، حيث انتعشت المتاجر الصغيرة والمقاهي والمطاعم المحلية بفضل تزايد حركة الزوار. كما أنها أنعشت الحرف التقليدية والفنون اليدوية التي عُرفت بها المدينة العتيقة عبر الأجيال، ما أتاح فرصة لأهالي المنطقة لإعادة اكتشاف مهن قديمة وتطويرها بما يناسب روح العصر.

وفي ظل الاهتمام العالمي بالسياحة الثقافية، تحوّلت بيوت الضيافة إلى ملاذ للمسافرين الباحثين عن تجارب أصيلة. فإقامة ليلة في قلب المدينة العتيقة توفّر إحساسا خاصا بالاندماج مع تاريخ المكان، كما تمكّن النزلاء من الاستمتاع بإفطار تقليدي تونسي وعيش تفاصيل الحياة اليومية لسكان المدينة.

هذه الطفرة في قطاع بيوت الضيافة لم تنعكس فقط على المناخ الاجتماعي والثقافي، بل كان لها كذلك دور في التنمية الاقتصادية المحلية. الكثير من هذه البيوت تعمل بكوادر من أبناء المنطقة، ما وفّر فرص عمل جديدة وأسهم في تحسين دخل الأسر التونسية.

ترميم البيوت القديمة وتحويلها إلى فضاءات إقامة رفيعة المستوى أصبح مثالاً على مصالحة التونسيين مع تراثهم، وحرصهم على تقديم مدينة تونس العتيقة كوجهة سياحية فريدة في منطقة المتوسط. وبهذا تحافظ المدينة على هويتها، وتستعيد زخمها الثقافي من خلال مشروع نابض بالحياة يربط الماضي بالحاضر والمستقبل.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *