تداعيات الاقتراض في تونس: قراءات وتحذيرات حول استدامة المالية العمومية

أثار الخبير الاقتصادي أرام بلحاج مؤخراً نقاشاً واسعاً حول مسألة استخدام القروض الدولية التي تحصل عليها الدولة التونسية، مشدِّداً على ضرورة مراجعة السياسات المعتمدة في التصرف بالتمويلات الخارجية. وأشار بلحاج إلى أن جزءاً كبيراً من هذه القروض يتم توجيهه لسداد قروض أخرى مستحقة على الدولة أو على مؤسساتها العمومية، بدل أن تُوظف في الاستثمار أو المشاريع التنموية التي تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.

وبين بلحاج أن لجوء الحكومة إلى الاقتراض الخارجي بهذا الشكل يفضي إلى تفاقم خدمة الدين العام ويضع البلاد في مسار مالي يُعد غير مستدام على المدى المتوسط، إذ يجعل الدولة عُرضة لتجديد الديون أو البحث عن قروض جديدة لسداد ما هو متراكم من مستحقات سابقة. وبيّن الخبير أن هذا النهج يُعرف في الأوساط الاقتصادية بنمط التمويل الدائري، حيث تدور القروض في حلقة مفرغة من السداد والاقتراض دون تحقيق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد أو دفع عجلة التنمية.

وأوضح بلحاج أن الإنفاق على الأجور والدعم في تونس يتم تغطيته اليوم في أغلب الأحيان عن طريق البنك المركزي، الأمر الذي يحمل مخاطر على مستوى التوازنات المالية ويهدد بقيم العملة المحلية والمقدرة الشرائية للمواطنين، ما لم يتم إيجاد حلول جذرية تعزز من عائدات الدولة وتُقلص من الاعتماد على السيولة قصيرة الأجل.

وحذر الخبير من تداعيات مواصلة هذا النهج من التمويل دون اتخاذ إجراءات تصحيحية، حيث أن المغامرة بزيادة الديون المقترنة بخدمة مرتفعة ستضع السياسة المالية في البلاد تحت ضغوط شديدة خاصة في ظل استمرار العجز والتباطؤ الاقتصادي. كما شدد بلحاج على أهمية التوعية المجتمعية بخطورة هذه التطورات، والعمل على دفع الحكومة لتبني إصلاحات حقيقية ومسؤولة توازن بين حاجات التمويل والاستدامة المالية، إضافة إلى الاهتمام بتحرير الطاقات الإنتاجية والخروج بشكل تدريجي من دائرة التداين المفرغ.

ويأتي هذا النقاش في الوقت الذي تواجه فيه تونس تحديات مالية كبيرة، مع انتظارات واسعة من الأوساط الاقتصادية والشعبية لإصلاحات تضمن استقرار المالية العمومية وتحمي التوازنات الاجتماعية، في ظل الضغوطات الإقليمية والدولية المتزايدة.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *