تداعيات نقص الأدوية في تونس: أبعاد الأزمة وتحليل وجهات النظر الطبية
تصاعدت أزمة نقص الأدوية في تونس بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، لتشهد انتشارًا واسعًا أثر بشكل مباشر على صحة المواطنين، وكان أحدث تجلياتها مع إعلان وزير الصحة مؤخرًا عن عودة الأزمة إلى الواجهة منذ سنة 2023. وبحسب تحليلات الدكتور رفيق بوجدراية، رئيس قسم الاستعجالي بمستشفى عبد الرحمان مامي، فإن مشكلات تزويد السوق الدوائي ليست وليدة اليوم بل تراكمت على مدار الأعوام الماضية، مع تسجيل أولى مؤشرات الأزمة منذ سنة 2014، وعودتها لتتصاعد لاحقًا في 2018، وصولًا إلى الوضع الحالي المتأزم.
يؤكد بوجدراية أن جذور هذه الأزمة متعددة، حيث أشار إلى عدة أسباب ظاهرية مثل صعوبات التمويل وتراكم الديون على الموردين، فضلًا عن التحديات المرتبطة بإجراءات التوريد وتغيرات الأسعار على الصعيد العالمي نتيجة الأزمات الاقتصادية. من ناحية أخرى، تناول بوجدراية الأسباب غير الظاهرة، مثل الاستهلاك المفرط لبعض الأصناف الدوائية، إذ تحتل تونس حسب بعض المصادر صدارة الدول الإفريقية من حيث استعمال المضادات الحيوية، إلى جانب الاستخدام واسع النطاق لمسكنات الألم ومضادات الالتهاب، وهو ما يساهم في زيادة الطلب وضغط السوق المحلي.
من ناحية أخرى، يعاني القطاع الدوائي أيضًا من غياب استراتيجية واضحة لتجيع الصناعة المحلية واعتماد تونس بشكل أساسي على الاستيراد، الأمر الذي يجعلها عرضة لتحولات الأسواق الخارجية ونقص الإمدادات عند كل أزمة عالمية أو تقلب في العملة الأجنبية. ويُضاف إلى ذلك ضعف الاستثمار في البنية التحتية للصناعات الدوائية الوطنية وصعوبة توفير احتياطي استراتيجي يكفل استمرارية العرض.
ولفت الدكتور بوجدراية إلى الأثر الاجتماعي والصحي للأزمة الحالية، لا سيما مع تسجيل حالات وفاة كان من الممكن تلافيها لو توفرت أدوية حيوية. وأوضح كذلك أهمية إيجاد حلول عاجلة عبر دور الدولة في تنظيم السوق، وتحفيز الاستثمار المحلي، والتحكم في منظومة توزيع الدواء لترشيد الاستهلاك وضمان توزيع عادل.
في ظل هذا السياق، دعت عدة جهات إلى إصلاحات عميقة في السياسات الصحية والدوائية لمجابهة النقص الحاد، وأوصى مختصون بضرورة تطوير خطة استراتيجية بعيدة المدى تستند إلى الشفافية ودعم الإنتاج المحلي، مما يقلل من هشاشة منظومة الصحة أمام الأزمات ويساعد على حفظ حق المواطن في الحصول على العلاج المناسب في الوقت المناسب.