جدل حول إلغاء التفرغ النقابي في تونس وتجارب مقارنة مع أوروبا

أثار قرار رئيسة الحكومة التونسية مؤخرًا بإلغاء نظام التفرغ النقابي موجة من الجدل الواسع في الأوساط النقابية والسياسية، حيث يرى البعض أن هذا الامتياز كان ضروريًا لضمان حسن سير العمل النقابي، بينما يؤكد آخرون أنه تسبّب في استغلال مناصب حكومية لمصالح شخصية بعيدًا عن العمل الفعلي بالإدارات والمؤسسات.

يأتي هذا القرار بعد سنوات من العمل بنظام التفرغ النقابي، والذي كان يتيح لمجموعة من النقابيين مغادرة مهامهم الإدارية دون مساءلة، لممارسة أنشطة نقابية بدوام كامل مقابل استمرار تلقي رواتبهم من الدولة. ووصل عدد المنتفعين بالتفرغ النقابي في تونس حتى عام 2024 إلى 30 شخصًا، بينهم اثنان من أعضاء المكتب التنفيذي لأكبر منظمة عمالية في البلاد.

بررت الحكومة قرارها بالسعي لترشيد الإنفاق العمومي وتكريس مبدأ المساواة في الفرص، مؤكدة أن الدولة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة مطالبة بإعادة النظر في الامتيازات غير الضرورية. وفي المقابل، انتقدت قيادات نقابية هذه التحركات، معتبرة أن القرار جاء للضغط على العمل النقابي وإضعاف صوته، وهددت بمواصلة الاحتجاجات والدخول في تحركات تصعيدية.

تجدر الإشارة إلى أن قضية التفرغ النقابي لا تخص تونس فقط، حيث تختلف التجارب بين الدول الأوروبية. ففي فرنسا، يمنح القانون النقابيين إمكانية الحصول على تفرغ جزئي أو كامل، ولكن ضمن ضوابط مشددة تجعل منح التفرغ مشروطًا بعدد المنخرطين واحتياجات المؤسسة، وغالبًا ما تضبط قائمة المستفيدين بعد مفاوضات دقيقة بين النقابات والإدارات.

أما في ألمانيا، فهذا النظام يبدو أكثر صرامة، حيث يمكن لبعض ممثلي العمال الحصول على تراخيص للتفرغ النقابي لكن طبقًا لقوانين محددة تضع مصلحة المؤسسة أولًا، وغالبًا ما يجرى تقييم دوري لمردود وضرورة استمرار التفرغ.

في النهاية، يعكس الجدل الدائر في تونس حول التفرغ النقابي تداخل الشأنين الاجتماعي والإداري، ويطرح تساؤلات حول أفضل السبل لتحقيق توازن بين حق العمل النقابي ومتطلبات المرفق العام، وسط مراقبة للتجارب المقارنة مع مجتمعات أخرى لضمان أفضل الممارسات.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *