دراسة جينية جديدة تشعل النقاش مجددًا حول جذور القرطاجيين
في خطوة أعادت الجدل حول أصل الحضارة القرطاجية، كشفت نتائج بحث جيني حديث أجرته جامعة هارفارد تحت إشراف العالمين هارالد رينغباور وديفيد رايش عن معطيات غير متوقعة حول الخلفية العرقية لسكان قرطاج القدماء. الدراسة التي ركزت على التحليل الدقيق للحمض النووي لرفات بشرية تعود إلى حوالي 400 سنة قبل الميلاد، توصلت إلى أن القرطاجيين حينها كانوا أقرب وراثيًا إلى شعوب اليونان في منطقة بحر إيجة من سكان منطقة الشام المعروفة تاريخيًا بأنها موطن الفينيقيين، الذين يُعتقد أنهم أسسوا قرطاج.
هذه النتائج تتحدى السرد التاريخي الذي يؤكد لأزمنة طويلة على الأصول الفينيقية المباشرة للقرطاجيين. فقد اعتبرت المصادر القديمة أن الفينيقيين من لبنان الحالي كانوا هم من أبحروا واستقروا في شمال إفريقيا، مؤسسين قرطاج التي أصبحت في ما بعد إمبراطورية بحرية قوية.
وأشار العلماء القائمون على الدراسة إلى أن تحركات الشعوب والهجرات طوال العصر الحديدي كانت معقدة وأكثر تنوعًا من تصوراتنا المألوفة. حيث يرى الباحثون أن اختلاط السكان والتبادل الثقافي بين حضارات البحر المتوسط كان أوسع نطاقًا مما وثقته النصوص التقليدية، ما يعزز فرضية وجود تفاعلات متعددة الأبعاد بين المشرق والأراضي الإيجية.
ولم يغفل التقرير عن تأثير هذه النتائج في فهم الهوية المتوسطية لشمال إفريقيا، إذ يستوجب ذلك مراجعة النظرة الكلاسيكية حول تكون المجتمعات القديمة هناك. من جهته، شدد رينغباور على أهمية استمرار الأبحاث الجينية لتقصي المزيد من أسرار الماضي، مؤكدًا أن نتائجهم الحالية مجرد بداية لمشروع أكبر يسعى إلى رسم خارطة وراثية دقيقة لشعوب البحر المتوسط.
في ظل هذه الاكتشافات، يتواصل الحوار في الأوساط العلمية والتاريخية حول مدى صحة الفرضيات القديمة، ودور الدراسات الجينية في إعادة تشكيل التصورات حول الأصول الحقيقية للقرطاجيين والحضارات المتعاقبة في المنطقة.
