ذاكرة معمارية: فندق البحيرة بين المجد والإهمال
ظل فندق البحيرة في تونس العاصمة، لعقود طويلة، أحد أبرز المعالم الهندسية والمعمارية في قلب المدينة. شُيّد هذا النزل الفريد في شارع محمد الخامس بين عامي 1969 و1973، من تصميم المهندس الإيطالي رافاييلي كونتيجاني، بالتعاون مع المهندس الإنشائي ألبرت نيراب. منذ الانتهاء من بنائه، كان الفندق محط أنظار التونسيين وزوّار المدينة، لما يحمله من روح الإبداع المعماري وحداثة تصاميمه.
تتميز هندسة فندق البحيرة بشكله الهرمي المقلوب، المستند إلى 190 عمودًا إسمنتيًا تمتد عميقًا في الأرض حتى 60 مترًا، ما مكّنه من مقاومة هشاشة التربة بالقرب من بحيرة تونس. يتكوّن المبنى من عشرة طوابق تَضمُّ أكثر من 400 غرفة، وقد كان في فترة ازدهاره من أفخم فنادق العاصمة وأكثرها شهرة، حتى وصفه البعض بأنه ناطحة سحاب صغيرة بالنسبة لحقبة السبعينيات.
مرت العقود وتغيرت الظروف. ومع بداية الألفية الجديدة، تراجع نشاط الفندق إلى أن أغلق أبوابه في مطلع العقد الثاني من هذا القرن، وأصبح مهجورًا رغم تاريخه ومكانته. وقد انتقلت ملكية الفندق إلى شركة تطوير عقاري، وتواترت الأخبار حول نيتها هدم المبنى لإقامة مشاريع سكنية أو تجارية جديدة في موقعه الحيوي. هذه الأنباء أثارت موجة من الانتقادات بين المهندسين والمعماريين وعدد من النشطاء المدنيين، الذين اعتبروا أن فندق البحيرة يُعد من الرموز الوطنية التي تستحق الحماية والترميم بدل الهدم.
لا تزال مسألة مستقبل الفندق مثار جدل ونقاش في الأوساط التونسية؛ فبين مؤيد لخطط الهدم والرغبة في تحديث المنطقة، وبين متشبث بضرورة صون ذاكرة المدينة وإرثها العمراني، بقي المبنى شاهداً على حقبة من الحداثة والطموح، وعلى جدلية حماية الموروث وسط متطلبات التنمية الحضرية الحديثة. هكذا يستمر فندق البحيرة في إثارة الجدل، محتفظًا بوقعه في ذاكرة العاصمة كواحد من معالمها التي لا تُنسى.