زيادة لافتة في تداول الأوراق النقدية بتونس: أسبابها وانعكاساتها على الاقتصاد والقانون

شهدت السوق النقدية في تونس مؤخرًا ارتفاعًا ملحوظًا في حجم الأوراق النقدية والعملات المعدنية المتداولة، حيث أعلن البنك المركزي التونسي في أحدث بياناته عن وصول القيمة الإجمالية للأموال الورقية والمعدنية المتداولة إلى 25,472 مليار دينار بتاريخ 29 جويلية 2025، مقابل 22,365 مليار دينار لنفس الفترة من العام الماضي. ويمثّل هذا النمو زيادة بمقدار 3,107 مليارات دينار، أي بنسبة 13,89% خلال عام واحد فقط.

هذا التصاعد اللافت في حجم الأموال المتداولة يطرح جملة من التساؤلات حول أسبابه وتداعياته على المشهدين الاقتصادي والقانوني في تونس. ويفسر بعض الخبراء الاقتصاديين هذا التطور بعدة عوامل، لعل من أبرزها استمرار موجة التضخم وارتفاع الأسعار، ما يدفع الأفراد والشركات إلى الاحتفاظ بكميات أكبر من السيولة لتغطية احتياجاتهم اليومية ومواجهة تآكل القدرة الشرائية.

من جهة ثانية، يشير مختصون إلى أن زيادة المعاملات النقدية خارج القطاع المصرفي الرسمي تعزز من حجم الأموال المتداولة فعليًا، إذ يلجأ بعض المواطنين وأصحاب الأنشطة التجارية الصغرى إلى الاقتصاد الموازي كبديل عن التعاملات البنكية، خاصة في ظل تشديد شروط التمويل البنكي أو انعدام الثقة في المنظومة المالية.

أما على الصعيد الاقتصادي، فإن استمرار هذه الوتيرة التصاعدية يعتبر مؤشرًا على عدة تحديات:
1. تأزّم التضخم: تزايد السيولة من دون توسع اقتصادي مماثل يعزز ارتفاع الأسعار ويعمّق أزمة التضخم.
2. صعوبات في التحكم في السياسة النقدية: مع ضخام حجم النقود في السوق يصعب على البنك المركزي السيطرة على التضخم أو تحفيز الاستثمارات عبر الأدوات التقليدية.
3. اتساع حجم الاقتصاد الموازي: كلما ارتفعت الأموال خارج النظام البنكي، ازداد النشاط الموازي وقلت قدرة الدولة على الرقابة وجمع الضرائب.

أما من الزاوية القانونية، فإن التنامي الكبير في تداول النقد قد يفتح الباب لانتهاكات تشريعات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة، ويستدعي تكثيف جهود الرقابة والمتابعة المالية والمصرفية. كما يشدد القانون التونسي إجراءات التعامل بالنقد في بعض المعاملات، تفاديًا لتضخم السوق السوداء وتسهيل العمليات غير القانونية.

في المجمل، تفرض هذه المؤشرات الجديدة على السلطات التونسية مضاعفة جهودها في دعم الشمول المالي، وتعزيز الثقة في القطاع البنكي، ومراقبة الأسواق، بهدف الحد من تضخم الكتلة النقدية والنهوض بالاقتصاد الرسمي من خلال سياسات نقدية ومالية واضحة وشفّافة، وكذلك تحديث التشريعات لمواكبة التغيرات وحماية الاقتصاد الوطني من المخاطر المرتبطة بتضخم السيولة النقدية.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *