منافسة صينية جديدة: هل يتحوّل الشرق الأقصى إلى لاعب رئيسي في سوق زيت الزيتون؟
تعيش سوق زيت الزيتون العالمية على وقع تغيّرات لافتة قد تؤثر بشكل مباشر على موقع تونس، أحد أبرز منتجي الذهب الأخضر في المتوسط. فعلى مدى العقود الماضية، شكّل زيت الزيتون التونسي عنوانًا للجودة وأحد أهم مصادر العملة الصعبة للبلاد، وتفوّقت تونس مرارًا على منافسين كبار مثل إسبانيا وإيطاليا في الصادرات إلى السوق العالمية. غير أن مشهد المنافسة بدأ يشهد لاعبًا جديدًا قادمًا من أقصى الشرق: الصين.
عرفت الصين تاريخيًا باستهلاكها المتزايد لزيوت نباتية أخرى، لكن العقد الأخير شهد اهتمامًا لافتًا بزيت الزيتون كجزء من توجه نحو التغذية الصحية. لم تكتف الصين بلعب دور المستورد النهم للزيت المتوسطي، بل شرعت فعليًا في زراعة الزيتون على نطاق واسع في عدد من المناطق الداخلية ذات المناخ المناسب، خاصة مقاطعتي يونان وسيشوان. وقد ساهمت الاستثمارات الضخمة والتكنولوجيا الزراعية الحديثة في تحسين نوعية الإنتاج وارتفاع الكميات.
ورغم أن الكمية الإجمالية لإنتاج الصين من زيت الزيتون لا تزال متواضعة مقارنة بتونس أو إسبانيا، إلا أن منحى التقدم سريع ويبعث على الحذر: فالمنتجون الصينيون يستهدفون الجودة العالية والقيمة المضافة، ويعولون على دعم حكومي واهتمام المستهلك المحلي. كما ترنو الصين إلى رفع مستوى الاكتفاء الذاتي وتقليص كميات الاستيراد.
من جهة أخرى، لم تعد السوق الصينية مجرد منفذ تصديري واعد لزيت الزيتون التونسي، بل باتت تحمل تحديًا جديدًا أمام المصدرين التونسيين. حققت تونس خلال السنوات الأخيرة نجاحات في ترويج زيت الزيتون في الصين من خلال المعارض والبعثات التجارية والاتفاقيات، غير أن المنافسة المتصاعدة من المنتجين المحليين الصينيين قد تؤثر على الحصة السوقية للصادرات التونسية مستقبلاً.
يواجه قطاع زيت الزيتون التونسي إذًا ضرورة مضاعفة الجهود للحفاظ على الجودة وتعزيز التسويق وأخذ زمام المبادرة، خاصة في الأسواق الآسيوية التي تتطور بسرعة. ويبقى الرهان الأكبر على تطوير سلسلة الإنتاج وتعزيز العلامة التونسية، لضمان استمرار حضور تونس كقوة متجددة في المشهد العالمي رغم كل التحولات.
إن تصاعد المنافسة من قبل الصين يؤكد أن الأسواق العالمية في حركة دائمة، وأن النجاح في قطاع الزيتون لم يعد حكرًا على دول المتوسط فقط. يتطلب الأمر من تونس يقظة استراتيجية وابتكارًا مستمرًا للحفاظ على ريادتها، ومواكبة المتغيرات العالمية بمرونة وذكاء.
