هجوم الأغالبة على روما عام 846: واقعة هزّت أوروبا وأعادت تشكيل ملامح الفاتيكان

في الثالث والعشرين من أغسطس عام 846م، تعرضت مدينة روما لواحدة من أكثر الغارات المفاجئة في تاريخها، عندما شنّ أسطول الأغالبة، المنطلق من القيروان، هجوماً جريئاً على المدينة عبر ميناء أوستيا على نهر التيبر.

كانت أوروبا المسيحية، حينها، تعتقد أن روما بعيدة عن متناول الغزوات البحرية بفعل موقعها الجغرافي وتحالفاتها القوية، غير أن قوات الأغالبة أثبتت أن تلك الاعتقادات كانت واهية. فور وصولهم إلى مشارف المدينة، اجتاح المقاتلون مناطق رومانية حساسة وهامّة، وتعرضت الكنائس الكبرى، بما في ذلك كنيسة القديس بطرس خارج الأسوار، للنهب والسلب. كان هذا الحدث إشارة خطيرة إلى ضعف التحصينات وقصر نظر الحكام الأوروبيين حينها في توقع الأخطار القادمة من البحر.

جاء هجوم الأغالبة في لحظة تزايد نفوذهم في البحر المتوسط، بعد أن استقروا في صقلية واستفادوا من ضعف السواحل الإيطالية الجنوبية. وعلى عكس الهجمات السابقة، تميزت هذه الغزوة بنجاح المهاجمين في الوصول إلى قلب الأماكن المقدسة للمسيحية، حيث غنموا كميات كبيرة من الكنوز والمقتنيات التاريخية والدينية، وأرهبوا سكان المدينة وزوارها.

تسببت تلك الواقعة في تحوّل مفصلي بتاريخ الفاتيكان وروما بشكل عام، إذ دفعت البابا ليون الرابع لبدء مشروع تحصين المدينة، فتم بناء الأسوار الطوّالية الشهيرة حول الفاتيكان، والتي صمدت أمام هجمات لاحقة ولعبت دوراً أساسياً في بقاء الفاتيكان مركزاً دينياً وسياسياً حتى اليوم.

لم تكن غزوة الأغالبة لروما مجرد حادث عابر، بل أظهرت هشاشة المدن الأوروبية أمام الغزوات البحرية، وأعادت تشكيل الاستراتيجيات الدفاعية في القرون اللاحقة. كما أسست لمرحلة جديدة في الصراع بين القوى المسيحية والإسلامية حول السيطرة على البحر المتوسط.

تظل هذه الواقعة شاهداً على أن حدود الحضارات ليست ثابتة، وأن مسار التاريخ يمكن أن يتغير في لحظة مفاجئة واحدة.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *