هل تؤثر الطموحات الصينية في سوق زيت الزيتون على مكانة تونس العالمية؟
تونسُ من الدول الرائدة عالميًا في إنتاج وتصدير زيت الزيتون، وقد رسّخت مكانتها على مدى عقود كمصدر رئيسي في الأسواق العالمية، خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية. غير أن الساحة الدولية شهدت توجهًا جديدًا بانضمام الصين كطرف فاعل يسعى إلى توسيع نشاطه في هذا القطاع.
حتى وقتٍ قريب، كانت الصين سوقًا مستوردة ناشئة، إذ تعتمد بشكل شبه كلي على واردات زيت الزيتون القادمة أساسًا من دول المتوسط مثل تونس وإسبانيا وإيطاليا. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت الصين في تطوير إنتاجها المحلي من زيت الزيتون، مستفيدة من استثماراتها الضخمة في تكنولوجيا الزراعة الذكية وتبنيها لأصناف زيتون ملائمة لمناخ مناطق محددة داخل البلاد.
في موسم 2024/2025، تستعد تونس لتصدير نحو 195 ألف طن من زيت الزيتون إلى أكثر من 60 بلدًا، بحسب وزارة الفلاحة التونسية. في المقابل، تشير البيانات إلى أن الصين استوردت سنة 2024 حوالي 30 ألف طن من زيت الزيتون بقيمة تفوق 200 مليون دولار، وتعتبر السوق الصينية سوقًا واعدة لكن ما تزال إسبانيا وإيطاليا تهيمنان على نصيب الأسد منها.
يؤكد مسؤولو مركز النهوض بالصادرات في تونس أن السوق الصينية مهمة جدًا للطموحات التونسية في تنويع شركائها التجاريين وزيادة قيمة صادراتها، خاصة وأن الصين أبدت اهتمامًا بالتعاون في مختلف مراحل سلسلة الإنتاج من زراعة الأشجار إلى التعبئة والتغليف والتسويق. كما يبحث المنتجون التونسيون عن التمركز بالمنتجات المعلبة ذات العلامة التونسية في الصيدليات والمتاجر الفخمة بالصين.
ورغم تطور الإنتاج المحلي الصيني، إلا أنّ جودته لم تصل بعد إلى مصاف الزيوت المتوسطية العريقة مثل نظيرتها التونسية المعروفة بجودتها العالية وحموضتها المنخفضة ومذاقها الفريد. إضافة إلى ذلك، يبقى حجم الإنتاج الصيني أقل بكثير من نظرائه في تونس ودول البحر الأبيض المتوسط، ما يجعل المنافسة الصينية في الوقت الحالي محدودة التأثير.
وفي ظل هذا الوضع، تتجه تونس إلى تعزيز التعاون مع الصين بدل مواجهتها، من خلال إبرام شراكات لترويج الزيت التونسي داخل السوق الصينية والاستفادة من الطلب المتنامي ومن التقنيات الحديثة، وهو ما قد يخلق فرصًا جديدة للقطاع ويحافظ على مكانة تونس كأحد اللاعبين الأساسين في سوق زيت الزيتون العالمية.
وفي المحصلة، تدرك تونس أن بروز الصين كمنتج ناشئ لا يعني بالضرورة تهديدًا مباشرًا لريادتها، بل يدعوها لمزيد الاستثمار في الجودة والعلامة التجارية والتسويق الذكي لضمان موقعها في سوق يشهد تطورًا مستمرًا وزيادة في المنافسة.
