زيت الزيتون التونسي: بين اعتزاز الهوية وضغوطات الأسواق الخارجية

يحظى زيت الزيتون في تونس بمكانة خاصة، إذ يمثل العمود الفقري للثقافة الغذائية وجزءًا هامًا من الإرث الاجتماعي والاقتصادي للبلاد. لكنه لم يعد مركبًا ثابتًا في معادلة الأمن الغذائي، بل بات يعكس التوازنات الهشة بين الحاجيات المحلية والتوجهات العالمية لسوق الزيوت النباتية.

ورغم أن تونس تحتل مكانة متقدمة عالميًا في إنتاج زيت الزيتون، حيث بلغ تصديرها ما يقارب 300 ألف طن خلال موسم 2024-2025 وفق معطيات الديوان الوطني للزيت، إلا أن السوق المحلية تواجه تحديات متفاقمة بسبب التغيرات المناخية وتقلبات سوق التصدير، ما نتج عنه فجوة بين حجم الإنتاج ومعدلات الاستهلاك داخل البلاد.

ويطرح هذا الواقع تساؤلات جدية حول قدرة تونس على تحقيق أمنها الغذائي بشكل مستدام. فرغم الطفرة الإنتاجية، لا يزال الطلب المحلي على الزيوت بأنواعها يفوق حجم المعروض أحيانًا بفعل التوجه المكثف نحو التصدير، والمنافسة المتزايدة على الصعيد العالمي، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار وانعكاس ذلك على المستهلك التونسي.

ويؤكد الفاعلون في القطاع أن التغلب على هذه الإشكاليات يتطلب مراجعة عميقة لسياسات الدعم والتحفيز الموجهة للفلاحين، إلى جانب الاستثمار أكثر في تطوير البنية التحتية الزراعية وتنويع مصادر الزيوت النباتية لضمان تلبية الحاجيات الوطنية. كما شدد البعض على ضرورة مرافقة منظومة الإنتاج بالإجراءات الكفيلة بضبط الأسعار والتقليص من الارتهان للأسواق الخارجية.

وفي حين يشكل قطاع زيت الزيتون شريانًا اقتصاديًا حيويًا لتونس بتوفيره لأكثر من مليون موطن شغل ومساهمته بما يقارب ثلث الناتج الزراعي وحوالي 40% من صادرات المنتجات الفلاحية، يظل صمود هذا القطاع مرهونًا بإصلاحات هيكلية لمواجهة تقلبات السوق الدولية وتغير المناخ.

وفي النهاية، يبقى تحقيق التوازن بين تلبية احتياجات السوق المحلية والحفاظ على موقع تونس كلاعب رئيسي في سوق الزيوت العالمية تحديًا مستمرًا، يتطلب رؤية استراتيجية تجمع بين تعزيز الإنتاج وتحقيق الاكتفاء وضمان العدالة للمستهلك التونسي.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *