دراسة وراثية جديدة تُغيّر المفاهيم حول جذور الحضارة القرطاجية

أثارت دراسة حديثة في علم الجينات أجرتها جامعة هارفارد، بإشراف الباحثين هارالد رينغباور وديفيد رايش، جدلاً علمياً وثقافياً بين الخبراء والمؤرخين حول أصول الشعب القرطاجي. ركزت الأبحاث على تحاليل الحمض النووي لمجموعة من الهياكل العظمية التي تعود إلى الفترة الممتدة قبل حوالي 400 سنة قبل الميلاد، أي في ذروة ازدهار الحضارة القرطاجية في شمال إفريقيا.

تشير نتائج التحليل الجيني إلى أن القرطاجيين القدماء يحملون، على نحو مفاجئ، صفات وراثية قريبة من اليونانيين الذين عاشوا في بحر إيجة أكثر مما يحملونها من شعوب المشرق (الليفيانت) التي لطالما اعتبرت مصدر الهجرة الأساسي المؤسس لقرطاج. هذه النتائج تتعارض مع الفرضية الكلاسيكية الشائعة التي تقول إن الفينيقيين في بلاد الشام هاجروا إلى شمال أفريقيا وأسسوا مدينة قرطاج عام 814 قبل الميلاد، ومن ثم شكلوا نواة سكانها الأساسيين.

وفي تفسير لهذا الاكتشاف، أوضح الباحث رينغباور أن هذا التداخل الجيني يعكس ربما تواصلات تجارية وثقافية مكثفة بين القرطاجيين وشعوب البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً الإغريق، عبر القرون. وأضافت الدراسة أن التأثيرات اليونانية ربما ازدادت مع الوقت بسبب الحروب والتبادل التجاري والتحالفات، ما أدى إلى تداخل في الأنساب بين هذه الشعوب.

ومن جانبهم، يرى بعض المؤرخين أن هذه النتائج يجب أن تُفسر بحذر، خاصة وأن قرطاج عُرفت على مدى قرون كمحطة رئيسية على طرق التجارة البحرية العالمية، وكانت تستقبل مهاجرين من خلفيات وجذور متنوعة. إلا أن الدراسة الجينية الأخيرة تبرز بوضوح حجم التداخل السكاني بين حضارات البحر المتوسط.

تفتح هذه الدراسة الباب أمام المزيد من الأبحاث المتعمقة في تاريخ حضارات شمال إفريقيا، وخصوصاً دور قرطاج في صقل الهوية المتوسطية القديمة، وتعيد رسم ملامح العلاقة بين الفينيقيين وشعوب المنطقة وتفاعلهم مع محيطهم الخارجي.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *