دراسات حديثة تكشف تفاصيل جديدة عن أصول الفينيقيين وصلاتهم بقرطاج
نشرت عدة دوريات علمية عالمية مرموقة، من بينها Science وNature وPNAS، تقارير حديثة تسلط الضوء على اكتشافات أثرية وعلمية غيّرت الفهم التقليدي للعلاقات التاريخية بين الفينيقيين وقرطاج. فقد أظهرت دراسات جينية وتحليلات للحمض النووي القديم التي تمت على بقايا بشرية من مواقع أثرية مختلفة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، تنوعاً جينياً كبيراً بين السكان الذين عاشوا في قرطاج والمناطق التي امتد إليها النفوذ الفينيقي.
وفقًا لدراسة وراثية صدرت في مجلة Nature، تم تحليل رفات 210 أفراد من 14 موقعاً أثرياً تشمل بلاد الشام، شمال إفريقيا، صقلية، سردينيا، وشبه الجزيرة الإيبيرية. وكشفت النتائج أن الفينيقيين لم يكونوا مجموعة عرقية واحدة خالصة، بل كانوا خليطاً من شعوب متعددة تفاعلت وتزاوجت عبر القرون بفعل التجارة والهجرة والاختلاط بالحضارات الأخرى.
وذكرت مجلة Science المهتمة بالأبحاث العلمية أن قرطاج، التي أسسها الفينيقيون بتونس بين القرنين الحادي عشر والخامس قبل الميلاد، كانت بمثابة مركز حضاري وثقافي واقتصادي، وجذبت العديد من الشعوب المتوسطية. وأظهرت بيانات الحمض النووي أن سكان قرطاج والمستعمرات الفينيقية كانوا يحملون مزيجاً من أصول شمال إفريقية وشرق أوسطية وأوروبية جنوبية، وهو ما يدل على التواصل الوثيق مع مجتمعات محيطهم الجغرافي.
من جهة أخرى، تشير الدراسات إلى أن النساء لعبن دوراً في عملية نقل الجينات عبر التزاوج المختلط، وهو ما عزز التنوع الوراثي في هذه المجتمعات الناشئة. وتفيد تقارير مجلة PNAS بأن الفينيقيين استفادوا من التنوع الحضاري والثقافي في تطوير أنظمة معمارية وتجارية متقدمة ساهمت في ازدهار قرطاج وتحولها إلى قوة اقتصادية وعسكرية بارزة في البحر المتوسط.
وتجمع هذه الأبحاث على أن الفينيقيين وقرطاج كانوا نموذجاً للتعايش والانفتاح الحضاري بين شعوب العالم القديم، وتظهر كيف أسهمت التفاعلات البشرية المعقدة في بناء حضارات مزدهرة ومتنوعة ثقافياً وجينياً. وتواصل فرق البحث الدولية دراسة المزيد من البقايا الأثرية والجينات لفك أسرار أعمق عن طبيعة الحياة اليومية والعلاقات بين المجموعات البشرية خلال تلك العصور.