تراجع عقود الزواج في تونس سنة 2024: عوامل متعددة وتداعيات اجتماعية واقتصادية

شهدت تونس خلال عام 2024 انخفاضًا واضحًا في عدد عقود الزواج مقارنة بالسنة السابقة، حيث أظهرت بيانات المعهد الوطني للإحصاء تسجيل 70,942 عقد زواج مقابل 78,115 في عام 2023، أي بتراجع يناهز 10% تقريبًا (أكثر من 8 آلاف حالة). هذا التراجع لم يكن مفاجئًا تمامًا، إذ يعكس استمرار اتجاه نزولي في معدلات الزواج على مدى السنوات الأخيرة، ويترافق مع تحولات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية واسعة يعيشها المجتمع التونسي.

أسباب هذا الانخفاض متعددة ومتشابكة، إذ يُعد ارتفاع تكاليف المعيشة من أبرز العوامل المؤثرة؛ فقد أثرت زيادات الأسعار وغلاء المواد الأساسية بشكل كبير على قدرة الشباب على توفير متطلبات الزواج وتأسيس أسرة. كما يواجه الكثيرون صعوبات في توفير سكن مستقل بسبب ارتفاع كلفة الإيجار أو الشراء، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية العامة مثل البطالة وتراجع القدرة الشرائية.

علاوة على ذلك، تشكل التحولات الاجتماعية عاملًا لا يقل أهمية؛ إذ أصبح تأجيل الزواج خيارًا شائعًا لدى الكثير من الشباب لصالح مواصلة التعليم أو البحث عن الاستقرار المهني أولاً. وقد رافق ذلك تغيّر في منظومة القيم ونظرة الأجيال الجديدة إلى مؤسسة الزواج وأهميتها، مع تزايد الميل نحو الحرية الفردية والتريث في اتخاذ خطوة الارتباط الرسمي.

أما من الناحية الديموغرافية، فيلاحظ أن معدلات الخصوبة أيضًا في تراجع ملحوظ، حيث وصلت إلى 1.7 طفل لكل امرأة في 2024، وهو رقم يقل عن عتبة التعويض السكاني (2.1 طفل لكل امرأة). وقد أدى ذلك إلى بطء في النمو السكاني وشيخوخة تدريجية للمجتمع، الأمر الذي يثير قلق المختصين حول تداعياته المستقبلية على سوق العمل والأنظمة الاجتماعية.

بالنظر إلى كل هذه العوامل، يظل ملف تراجع الزواج في تونس موضوعًا يحتاج إلى معالجة شاملة تجمع بين الإصلاحات الاقتصادية والسياسات الاجتماعية والثقافية لمواجهة التحديات وضمان تماسك المجتمع واستقراره في المستقبل.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *